جلس المذنب هنيهة مع نفسه ، يحاول إدراك حجم خطئه بل و تداعيات ذلك الخطأ ، التي لم يستطع النجاة منها ، فأنى له ذلك و هو عبد ضعيف ليس له من القوة شيء ؟ . . . أخذ يتذكر تلك الوحدة القاتلة التي زادته اكتئابا و ضيقا ، فليس هناك من سيشكو إليه ذلك الضعف الذي دب في نفسه و هو يراها تتهاوى ، لا أحد ، عدا السميع العليم ، عدا الله . . . عندها أخذ يفكر و يفكر ، أهو أهل لعفو الله ؟ أهو جدير برحمته ؟ لكنه ما لبث أن اتجه إليه متضرعا ، و كأن لسان حاله يقول :
" لجأت إليك ربي في ظلمات الدجى ، أشكو لك ضعفي و هواني ، وأنت يا رب أعلم بحالي . . .
أسألك إلهي رضاك عني ، و إن جفى سواك من حولي ، فلا أكترث ما دمت يا رب عوني . . .
فإذا ضاقت نفسي و انقطعت سبلي ، و تكبلت أفكاري و نفدت حيلي ، فمنك الضياء و أنت دليلي ، و من غيرك يا رب أجيري . . . " .
و إذ به يشعر بانشراح صدره ، فأدرك مدى سعة رحمة الله ، و عاهد نفسه على ألا يعود إلى ذنب اقترفه ما أحياه الله ، و عزم على السعي ليكون ممن يقول الله - تعالى - فيهم : " . . . رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ " الآية 8 من سورة البينة .
ابن آدم ، حين تستعصي عليك الأمور ، و لا تعود لك قدرة على مجابهة عواصف الدنيا ، حين تذنب و تصر على المعصية ، فترى ألا داعي لتبقى على قيد الحياة و قد اسودت الأيام في وجهك ، حين لا تستطيع إبصار النور ، و تصبح نفسك في ضيق ما بعده ضيق . . . فلا تجد من يساندك ، و لا من يعفو عن زلاتك ، و لا من يرشدك و أنت في أرض ضلال . . . الجأ إلى الله ، و بح له بما اعتصرته داخلك طويلا ، و إن كنت تعلم بدراية الله له ، حين تضيق بك الأرض بما رحبت لن تجد سواه من يغفر لك ، اسأله عفوه و رحمته ، و احرص على ألا يسمعك سواه ، و تذكر أن الله خالقك و هو أعلم بضعفك ، فإن كنت لست أهلا لبلوغ عفوه ، فإن عفوه أهل لبلوغك ، و إن لم تكن جديرا برحمته ، فإن رحمته ستتغمدك ، فلا تيأس أبدا من روح الله ، فهو القائل : " قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ " الآية 53 من سورة الزمر .